_

التاريخ الإسلامي في تونس

_

في منتصف القرن السابع ميلادي، واجهت المسيحية تحديات كبيرة في شمال إفريقيا، بما فيها تونس الحالية، بعد سيطرت الخلافة الأموية، التي حكمت بين 661-750 من دمشق، على الدولة الاسلامية المؤسسة حديثاً. وكانت أولى محاولات دخول المسلمين الى ارض تونس سنة 647م وعرفت بفتح العبادلة لان قوادها يحملون اسم عبد الله وانتهت بمقتل الحاكم البيزنطي. ووقعت الحملة الثانية سنة 661م وانتهت بالسيطرة على مدينة بنزرت. وكانت الحملة الثالثة حاسمة وذلك بقيادة عقبة بن نافع، حيث استطاع الدخول بجيشة عام 670م إلى مقاطعة أفريقية الرومانية، وأسس باسم الدولة الأموية في دمشق مدينة القيروان التي أصبحت اول مدينة اسلامية في افريقية وقاعدتهم في نشر الديانة الاسلامية في شمال افريقيا التي أصبحت مركـزّا للإشـعاع الفكـري العلمـي والديني في شمال إفريقيا لقرون عديدة. وعلى الرغم من التقدم التدريجي للجيوش العربية المسلمة في أراضي افريقية، واصل بعض الامازيغ المقاومة بشراسة وقد هاجمت قبيلة جراوة، بقيادة زعيمتها “الكاهنة” (عُرفت بين العرب بهذا الاسم)، جيوش المسلمين باستمرار، وفي عام 696، هزمت الكاهنة العرب في تبسة (الجزائر اليوم)، لكنها لاقت مصرعها في نهاية المطاف وبعد وفاتها، أصبحت الكاهنة أسطورة وبطلة وطنية يُحتفل بذكراها في تونس حتى يومنا هذا.

واجهت المسيحية تحديات كبيرة في شمال إفريقيا، بما فيها تونس الحالية، بعد سيطرت الخلافة الأموية، التي حكمت بين 661-750 من دمشق، على الدولة الاسلامية المؤسسة حديثاً.

كانت المقاومة الرئيسية للجيوش العربية المسلمة تتألف من قوات بربريّة، وغالباً من المسيحيين بقيادة كسيلة. لكن في نهاية المطاف، هُزم البربر وسُجن كسيلة. وبعد محاولات عدة تمكن القائد الأموي حسان بن النعمان سنة 698 من دخول قرطاج ذات الأهمية الاستراتيجية وسقوطها بيد الفاتحين المسلمين بعد حصارها حيث قام بهدم أسوارها وحرقها وتخريب مينائها واستعملت سواريها ورخامها الرفيع بعد ذلك في توسيع مدينة تونس. وقد استقر بعد ذلك الإسلام في المنطقة بعد مقاومة كبيرة من الأمازيغ، بينما لم تُعَرّب شعوب المنطقة إلا بعد ذلك بقرون، ويعود تعريب المنطقة أساسا إلى هجرة العائلات والقبائل العربية خاصة قبائل بني هلال وبني سليم من جنوب الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي محدثة بذلك تغييرا ديمغرافيا كبيرا نتج عنه غلبة العنصر العربي. كما ساهم تأسيس جامع الزيتونة بتونس سنة 737، والذي بناه عبيد الله بن الحبحاب في ترسيخ ونشر الثقافة العربية الإسلامية في المنطقة، ونشر المذهب المالكي.

دولة الاغالبة

تعتبر فترة الأغالبة في إفريقية من أمجد فترات تاريخها منذ دخول الاسلام اليها كما يروي المؤرخون، مؤسسها إبراهيم بن الأغلب (184هـ / 800م) والذي في عهـده أصـبحت إفريقيـة تتمّتـع باستقلالها (الذاتي) عن مركز الخلافة الذي تقتصر علاقتها بـه عـلى الأمـور العامة (كتسمية الولاة) كما أصبح الحكم في إفريقية وراثيا. فقد دامت هذه الفترة أكثر من قرن من الزمان مـن سنة (184هـ / 800م) إلى سنة (296هـ / 909م). ساد في أثنائها الاستقرار السياسي النسبي لبلاد إفريقية، وكان للمذهب السني وفقهائها نصيب كبير في إقامة وتثبيت دعائم هذا الاستقرار، فقد تمكن الفقهاء بمعاونة أمراء الأغالبة من إخراج الخوارج من بلاد إفريقية، وتثبيت دعائم المذهب المالكي. إن قيام دولة الأغالبة جعل لإفريقية وأهلها شخصية مميزة وفريدة تختلف كل الاختلاف عن بقية بلدان المغرب، فكانت المدن والقرى الإفريقية محطات ومراكز العلم والشيوخ والتجار، فنهضت حركة العمران والانشاء إلى جانب الزراعة والرعي.

قيام دولة الأغالبة جعل لإفريقية وأهلها شخصية مميزة وفريدة تختلف كل الاختلاف عن بقية بلدان المغرب

عنايتهم بالمنشآت الدينية لا تقل أهمية عن عنايتهم بالمنشآت العسكرية والمدنية، فقد أنشأ الأغالبة الكثير من الأسوار والأبراج للمدن وخاصة التي تقع على الساحل، ومن بينها دار تونس لبناء السفن ودار سوسة لصناعة الأسلحة واللتان كانت لهما أهمية كبيرة في تاريخ البحرية الإسلامية وخاصة في حوض البحر المتوسط والتي لعبت دورا حاسما في فتح جزيرة صقلية سنة 827م.

الدولة الفاطمية

استطاع عبد الله الشيعي في غضون 7 سنوات الاستيلاء على أغلب مناطق شمال إفريقيا وذلك بمساعدة بعض القبائل البربرية من بينها قبيلة كتامة التي استجابت إلى دعوته واعتنقت المذهب الشيعي الإسماعيلي. ولم تفلح جيوش زيادة الله الاغلبي في صده أو إيقاف زحفه، فوجد نفسه عاجزًا عن الحفاظ على ملك آبائه وأجداده، فآثر الهرب إلى مصر، وحمل معه كل ما استطاع حمله من مال وعتاد، ورحل من رقادة (القيروان)، فباتت المدينة سهلة المنال لأبى عبد الله الشيعي، فبعث عروبة بن يوسف أحد قادته للاستيلاء عليها، فدخلها دون قتال في 909 م.

نهاية دول الاغالبة كان بمثابة اعلان رسمي عن تأسيس اول دولة شيعية في العالم الاسلامي على يد عبيد الله بن الحسين المهدي (873م – 934م) ويعتبر مؤسسَ سلالةِ الفاطميين، وهي الدولة الشيعيّة الوحيدة التي حكمت عموم المسلمين على غرار الخلافة الأموية والعباسية، وكانت فترة عبيد الله المهدي بمثابة عهد التأسيس وإرساء القواعد، بعد عهد التمهيد والإعداد على يد الداعي أبي عبد الله الشيعي. وقد اتخذت الدولة الوليدة من المهدية عاصمة للخلافة الفاطمية سنة 308هـ./920م، لتكون بذلك ثاني عواصم الخلافة بإفريقية ودام حكم الفاطميين في تونس 64 عاما عرفت فيها البلاد ازدهارا كبيرا، وفي عام 969 تمكن الفاطميون من فتح مصر لينقلوا إليها عاصمتهم عام 973م.

لما انتقل الفاطميون إلى مصر ولوا على إفريقية أميرا من أصل أمازيغي وهو بلكين بن زيري بن مناذ الصنهاجي. استطاع بلكين القضاء على الفتن والثورات القبائلية المجاورة على حدود البلاد مما مكنه من تعزيز حكمه والاحتفاظ بالأراضي الشاسعة التي ورثها عن الفاطميين. وفي عام 1045 أعلن الملك الصنهاجي المعز بن باديس خروجه عن الخلافة الفاطمية في القاهرة وانحيازه إلى الخلافة العباسية في بغداد. مما اغضب الخليفة الفاطمي المستنصر بالله الذي أذن، بإيعاز من وزيره أبو محمد الحسن اليازوري، للقبائل البدوية المتمركزة في الصعيد المصري بالزحف نحو تونس. وتسبب هذا الزحف إلى تمزيق أوصال الدولة الصنهاجية وإلى خراب عاصمتهم بعد تعرضها للسلب والنهب ومما ادى فيما بعد الى تقسيم البلاد بين عدة دويلات.

شخصيات إسلامية تونسية

أبي زيد القيرواني

ابن أبي زيد القيرواني هو عبد الله أبو محمد بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني، ولد بالقيروان بتونس سنة 310 هـ /922م، وهو من أعلام المذهب المالكي. وقد لُقِّب بـ «مالك الأصغر»، وكان إمام المالكية في وقته، وأشهر مصنفاته كتاب الرسالة، وتوفي سنة 386 هـ /996م. ويعد “ابن أبي زيد القيرواني” من كبار فقهاء “المالكية”، حظي بمكانة علمية بشهادة العلماء، وكان إمام المالكية في وقته، وجامع “مذهب مالك” وشارح أقواله، كثير الحفظ والرواية، وكتبه تشهد له بذلك.

قال فيه القاضي عياض: كان إمام المالكية في وقته، وقدوتهم، جامع مذهب مالك وشارح أقواله، وكان واسع العلم كثير الحفظ والرواية، وكتبه تشهد له بذلك، فصيح اللسان ذا بيان ومعرفة مما يقوله.. لخص المذهب، وملأ تأليفه البلاد”.

ابن حَيُّون

أبو حنيفة النعمان بن عبد الله بن محمد بن منصور (توفي 363 هـ / 974 م) هو فقيه إسماعيلي، من أهل القيروان، من أركان الدعوة للفاطميين ومؤسّس النظام القضائي والفقه الإسماعيلي الفاطمي وسمّي بالمشرّع الإسماعيلي. ودرس النعمان الإسماعيلية في سنّ مبكّرة وبدأ خطّة القضاء مع عبيد الله المهدي وواصلها مع خلفاء الدولة الفاطمية، القائم بأمر الله، والمنصور لله، والمعز لدين الله. وفى عهد الخليفة الثالث المنصور بالله عين قاضيا للمنصورية، ووصل إلى أعلى المراتب في عهد المعز لدين الله الخليفة الفاطمي الرابع، إذ رفعه إلى مرتبة قاضى القضاة وداعي الدعاة. وتميّز القاضي النعمان بغزارة الإنتاج، حيث له أكثر من 40 مؤلفا، ومن بين اهم مؤلفاته، كتاب ” المجالس والمسايرات” الذي وصف فيه حياة الخلفاء الفاطميين في بلاد المغرب، وكذلك كتاب ” دعائم الإسلام” وهو الكتاب الأساسي في الفقه الإسماعيلي.

 الفقيه الدرجيني

هو أحمد بن سعيد بن سليمان بن علي بن يخلف الدرجيني (أبو العباس) المتوفي سنة 670هـ / 1271م كان فقيها ومؤرّخٌ وشاعر، وكان إماما قدوة في زمانه. ويعتبر من أشهر علماء درجين ببلاد الجريد، جنوب تونس، واحد من العلماء الخمسة في سلسلة نسبه، كلُّهم علماء نحارير. تلقى تعليمه الأول بدرجين، ثمَّ رحل إلى وارجلان سنة 616هـ/ 1219م، وأخذ العلم عن الشيخ أبي سهل يحيى بن إبراهيم بن سليمان لأعوام، ثمَّ عاد إلى موطنه درجين.

له قصائد كثيرة وشعر فائق، وله أجوبة بالشعر، وألغاز في الفرائض. وقد ذكر في بعض قصائده أنه أنشدها قبل البلوغ؛ وجمع بعض قصائده أبو طاهر إسماعيل بن موسى في كتاب الفرائض والحساب. بالإضافة إلى فقهه، وقوَّة لغته وبلاغته وشعره، فهو مؤرِّخ من المحقِّقين، لم يكتف بنقل ما سبقه إليه غيره من كتاب سير الإباضية، وإنما أبدع منهجًا جديدا في كتابة السيرة الإباضية، وهو منهج الطبقات، إذ وضع في ذلك مؤلَّفه المشهور «طبقات المشايخ بالمغرب» في جزأين، وجعل كلَّ طبقة خمسين سنة، بدأ بالطبقة الثانية (50-100هـ/670-718م)، ولم يتكلَّف الكتابة في الطبقة الأولى، لأنها في اعتقاده أشهر من أن يضيف إليها شيئا، ولذلك جاء أبو القاسم البرادي بعده بقرنين تقريبًا (810هـ /1407م) ليكتب «الجواهر المنتقاة فيما أخلَّ به كتاب الطبقات». وقد كان يهدف من وراء تالفيه لهذا الكتاب إلى تبيين أنَّ هذا الدين الاسلامي ورد إليهم بالتواتر، جيلا عن جيل، وطبقة عن طبقة.