نظرة عامة

تونس تتميز بغالبة الإسلام المالكي السني، والذي يعتبر الدين الرئيسي والرسمي للبلاد. ومع ذلك، بجانب الغالبية السنية المالكية، هناك أيضًا مجتمعات دينية أخرى تثري المشهد الديني في تونس. على سبيل المثال، يمتلك المكون الشيعي تاريخًا وتراثًا ملحوظين، ويتمركز اليوم بشكل رئيسي في جنوب البلاد. وبالمثل، يتواجد المكون الإباضي منذ البدايات الأولى لدخول الإسلام الى تونس ويتواجدون اليوم بجزيرة جربة وبعض مناطق الجريد حيث يعيشون بسلام مع المكون السني المالكي والمجتمع اليهودي، وتتميز مساجدهم ببساطتها وبياضها.

تشكل الطوائف المسيحية مجتمعًا متنوعًا في تونس، بما في ذلك الكاثوليك والأرثوذكس من مختلف التقاليد (الروسية واليونانية) والإنجيليين والأنغليكان والإصلاحيين. واحتفل البهائيون في سنة 2021 بمرور مائة عام على وجودهم في تونس، بينما تعتبر اليهودية، الديانة الاقدم في تونس والتي تعود جذورها إلى العصور القديمة وتحديداً إلى القرن السادس قبل الميلاد.

علاوة على ذلك، في تونس أيضًا يوجد تيارات فكرية ودينية مثل الإلحاد واللادينية، والتي تنتشر خاصة بين شباب. ومع ذلك، تفتقر البيانات الدقيقة حول هذه الحركات، وكذلك حول المكونات الدينية الأخرى. كل مكون ديني في تونس يعرض واقعًا محددًا لها.

الدساتير التونسية

شهدت الدساتير التونسية المختلفة قبل وبعد الاستقلال أهمية من حيث ضمانها للحق في الحرية الدينية. بدءًا من عهد الأمان لعام 1857، الذي أكد في مادته الأولى أنه “يتم ضمان الأمان الكامل بشكل صريح لجميع مواطنينا، لجميع سكان دولتنا، بغض النظر عن ديانتهم أو جنسيتهم أو عرقهم”، واعتبر هذا الفصل إشارة ضمنية إلى حماية الأقليات الدينية. بالمثل، أكدت مادة 88 في دستور عام 1861 (اعلان حقوق الرّاعي والرعيّة وقانون الدّولة التونسيّة) أن “جميع مواطني المملكة، بغض النظر عن ديانتهم، متساوون أمام القانون، وينبغي تطبيق أحكامه على الجميع دون تمييز بينهم بناءً على منصبهم أو موقعهم”.

في الدستور الاستقلال لعام 1959، أكدت المادة 5 أن “الجمهورية التونسية تضمن عدم انتهاك حقوق الإنسان وحرية المعتقد، وتحمي حرية ممارسة الشعائر الدينية بشرط عدم تعريض النظام العام للخطر.” تم إعادة تأكيد هذه الضمانات في الدستور لعام 2014 الذي جاء بعد الثورة التونسية عام 2011. في الواقع، تنص المادة 6 في هذا الدستور على أن “الدّولة راعية للدّين، كافلة لحريّة المعتقد و الضّمير و ممارسة الشّعائر الدّينيّة، ضامنة لحياد المساجد و دور العبادة عن التّوظيف الحزبي”. اما دستور عام 2022، احتفظ بهذا الضمان في مواده 27 و28. المادة 27 تنص على أن “الدولة تضمن حرية العقيدة والضمير”، بينما المادة 28 توضح أن “الدولة تحمي ممارسة العبادات الحرة طالما أنها لا تؤثر على الأمن العام”.

الأحكام الدستورية لا تعكس بالضرورة الواقع الذي تعيشه الأقليات الدينية في تونس

ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن الأحكام الدستورية لا تعكس بالضرورة الواقع الذي تعيشه الأقليات الدينية في تونس، ولا وضع حرية الدين والضمير بشكل عام. فعلى الرغم من هذه الضمانات الدستورية، لا تزال هناك تحديات تستمر فيما يتعلق بالتنفيذ الكامل لهذه الحقوق لجميع المواطنين التونسيين، بما في ذلك مجتمع الأقليات الدينية. مشكلات مثل التمييز وعدم التسامح والعقبات العملية لا تزال تقيد ممارسة حرية الدين والضمير بشكل فعال.

واقع المكونات الدينية

يواجه المجتمع البهائي في تونس، وكذلك مجموعات أخرى غير معترف بها من قبل الدولة التونسية مثل الإنجيليين والشيعة، وضعًا هشًا للغاية، يتعارض تمامًا مع التشريعات الوطنية والتزامات البلاد الدولية. العدم الاعتراف هذا يؤدي إلى عواقب تكاد تكون خطيرة مثل القيود القانونية على الممارسات الدينية، وعدم وجود حماية قانونية، وحرمان من الحقوق المدنية، بما في ذلك المشاركة في الحياة السياسية والجمعياتية، أو إنشاء بنية تحتية تعليمية تتماشى مع إيمانهم بهائي كان او مسيحي. بل وتحرمهم من حقهم في وجود أماكن للعبادة او مقابر لموتاهم.

في مواجهة هذا الوضع، قدم ممثلي المجتمع البهائية شكوى إدارية ضد رئاسة الحكومة في مارس 2021. بسبب رفض الحكومة التونسية نشر إعلان تأسيس جمعيتهم، على الرغم من قرار إيجابي صدر في المرحلة الأولى من المحكمة الإدارية يؤيد حقهم في تأسيس الجمعية. ومع ذلك، فقد اصطدم البهائيون بالاستئناف الذي تقدمت به رئاسة الحكومة ضد هذا القرار. ما يزيد من القلق هو مضمون ملف الاستئناف، الذي يحتوي على تصريحات اعتبروها تكفيرية ومحرضة تستهدف أعضاء الجمعية والجماعة البهائية، مما يضع حياتهم وأمنهم في خطر. تشير هذه الوثائق إلى مراسلات من المفتي العام للجمهورية ووزير الشؤون الدينية، تحمل اتهامات ضد أعضاء الجمعية بسبب انتمائهم لدين البهائي، حيث أشار المفتي عثمان بطيخ إلى ان هذه الجمعية تشبه الى حد كبير جمعية “شمس”، وهي جمعية تدافع عن حقوق مجتمع LGBTQIA+ التونسي، مؤكدًا أن مثل هذه الجمعيات تنتهي في النهاية بـ “خلق مشكلات” تحت مسمى الأعمال الاجتماعية مثل تعزيز المساواة بين الجنسين والمساواة في الميراث، وفقاً لكلامه.

طريقة تعامل الدولة التونسية مع هذا التعدد الديني قيّد بشكل مباشر وغير مباشر التنوع الثقافي والديني في البلاد، بدلاً من تقديره وتثمينه كرأس مال لامادي مهم يشكل هوية وطنية متعددة ومتنوعة. حيث ان تونس نتيجة لتاريخها، كانت دائمًا مثالا لثقافات متنوعة ولغات وأديان مختلفة. ومع ذلك، بدلاً من الاعتراف والاحتفاء بهذا التنوع، فإن سياسات الدولة غالباً ما أيدت رؤية واحدة للهوية الوطنية، تبرز دينًا واحدًا وثقافة واحدة. هذا النهج أهمل الأقليات الدينية وقيّدها عن المشاركة الكاملة والعادلة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية للبلاد، محالاً إياهم إلى وضع مواطنين من الدرجة الثانية.

تونس على مر تاريخها، كانت دائمًا مثالا حاضنا لثقافات متنوعة ولغات وأديان مختلفة اثرت الحياة العامة وساهمت في بناء الحضارة التونسية.

في الختام، تتطلب تعزيز الحرية الدينية والتعددية في تونس جهودًا مستمرة وزيادة في التوعية. وفي هذا السياق تتبوأ منظمة “التلاقي” مكانة مهمة كلاعب رئيسي في هذا المجال إلى جانب مؤسسات الدولة وجهات أخرى من المجتمع المدني التونسي، حيث تعمل بإصرار على الدفاع عن حقوق وحريات الأقليات لبناء مجتمع أكثر شمولًا في إطار المواطنة الحاضنة للتنوع. من خلال المبادرات التي تقوم بها التلاقي، يمكن لتونس أن تتقدم نحو التعرف والتقدير الأفضل لتنوعها، مما يعزز من نسيجها الاجتماعي ويعزز من أسسها الديمقراطية.

غسان العياري هو مخرج سينمائي وناشط في مجال حقوق الإنسان في تونس، حاصل على درجة البكالوريوس في الإخراج السينمائي ودرجة الماجستير في الفنون في الإنتاج السمعي البصري. زميل سابق في مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في جنيف (OHCHR) ومسؤول العلاقات العامة والشراكة في منظمة التلاقي.

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لمنصة “حقوق” او الجهة المشرف عليها.

لا تعليق

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *