إن فكرة الحرية الدينية كحق انساني تضمنها الدساتير والقوانين الوطنية والدولية لجميع الناس دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون.. الخ، كجزء من حقوق الإنسان الأساسية، هي فكرة حديثة جدًا تاريخيًا، لأنها تفترض مسبقًا تكوينًا سياسيًا وفلسفيًا ودينيًا محددًا. وان تمكنت بعض الأديان في مناسبات عديدة في التاريخ، من التعايش ضمن أشكال مختلفة من التنظيم الاجتماعي، فإن إمكانية التعايش هذه كانت حتى ذلك الحين نوعاً من التسامح أو حتى منى تمنح لفترة معينة من الزمن، قابلة للتراجع في اي وقت او ظرف. وحتى في الأنظمة التي يضمن فيها القانون هذا الحق، وفي ظل ظروف معينة، يتم التراجع عن ضمان الحق في ممارسة الحرية الدينية.

الحرية الدينية هي حرية أساسية لها نطاق أعمق وأوسع مما يتصوره الكثيرون. وبمعنى أكثر تدقيقا، الحرية الدينية، المرتبطة بالحق في “حرية الضمير”، هي الحق الذي يجب على جميع الناس أن يتأملوا فيه، وأن يؤمنوا به، وأن يعبروا عما يؤمنون به، وأن يعيشوا وفقًا لهذه المعتقدات، وفقًا لما تمليه عليهم ضمائرهم.  وهو الحق الذي ينطبق على الناس الذين يلتزمون بمعتقدات دينية وعلى أولئك الذين لا يلتزمون بها.

الحرية الدينية هي أحد القيم الأساسية في مجتمعاتنا الحديثة، حيث تعكس تلك القيمة أهمية احترام حقوق الإنسان وتعدد الثقافات والمعتقدات. وتُعتبر حجر الزاوية لضمان تعايش سلمي بين الأديان والمعتقدات والافكار المختلفة والمجتمعات المتنوعة والتي تتميز بالتعددية. يجب أن يكون لكل فرد الحق في اعتناق الديانة التي يختارها أو عدم اعتناق أي ديانة على الإطلاق. وعلى الحكومات والمؤسسات العامة والخاصة مسؤولية جوهرية في حماية هذا الحق وضمان عدم التمييز ضد أي فرد أو جماعة بناءً على معتقداتهم الدينية او الغير دينية. وهي ليست مجرد قاعدة قانونية، بل هي قيمة إنسانية كونية تعكس التسامح واحترام الآخرين، وتمثل تجسيدًا لقيم العدالة وحقوق الإنسان العالمية التي يجب أن تحترمها المجتمعات والحكومات لضمان حياة كريمة ومستقبل مزدهر للجميع.

الحرية الدينية وما يترتب عنها من حقوق وحريات كحرية الضمير وحرية التعبير والحرية الاكاديمية وحرية ممارسة الشعائر ضرورية لأنها تساعد في دعم التعايش السلمي، ويجب موازنتها باعتبارات أخرى، مثل حقوق الآخرين والقانون والسلامة العامة. ومع ذلك، نظرًا لأن هذه الحريات ضرورية جدًا لكرامة الإنسان وتساهم كثيرًا في بناء مجتمع ديمقراطي متمدن، فإنها بلا شك تستحق الحماية والدفاع عنها.

وهذه الحماية هي مسؤولية مشتركة بين مؤسسات الدولة وجميع المواطنين الذين يعتزون بحريتهم ويدركون بذلك اهمية “أن حريات البعض مضمونة مثل حرية البعض الآخر وأنها حق لا تقبل التجزئة او القسمة على اثنين”. وتتطلب حماية الحرية الدينية أيضًا فهمها بشكل جيد واحترامها بشكل كامل. حيث إن الفهم السيئ للحرية الدينية يمكن أن يشكل مشكلة، قد تؤدي إلى وضع قواعد وقوانين تحيدها وتضييق عليها للغاية ولا تحميها كما هو مطلوب. والجهل بالحرية الدينية بكونها مهمة للأغلبية وللأقلية يمكن أن يسمح بانتهاكها، مما يؤدي إلى إضعاف هذه الحرية الأساسية والمساس بها. ولهذا من الضروري جدا وجود وعي مجتمعي ومؤسساتي قوي بالحق في الحرية الدينية، وفهم معناها الكامل، لضمان استمرارها وازدهارها.

إضافةً إلى ذلك، تتكون الحرية الدينية من عدة جوانب وعناصر مهمة تشمل مجموعة واسعة من الحقوق والحريات، تترابط وتتشابك مع بعضها البعض ولم يمكن بأي حال من الأحوال تجزئتها أو التغاضي عن أي جانب او عنصر منها، ولهذا السبب يجب أن تحمى وتعزز في إطار مجتمع يحترم التنوع الديني. ومن بين هذه الجوانب والعناصر الرئيسية للحرية الدينية:

1
4
2
5
3
6

بالرغم من أهمية هذه العناصر الا ان تقييد الحرية الدينية امر شائع في الكثير من الدول والمجتمعات، اذ يتم اللجوء إلى فرض قيود أو قوانين تقييدية على حرية فرد او جماعة ما في ممارسة وتجسيد معتقداتهم الدينية. ويمكن أن يحدث ذلك لأسباب متنوعة وفي سياقات مختلفة، وهي تتنوع حسب السياق الثقافي والسياسي لكل دولة أو مجتمع، بحيث تكون أسباب مرتبطة بالأمان الوطني، أو الاستقرار الاجتماعي، أو تجنب التطرف الديني. ومع ذلك، يثير تقييد حرية الدين او المعتقد قضايا حقوقية وأخلاقية، حيث ينظر لمثل هذه الاشكال من التقييد على أنها انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية المتعلقة بحرية الدين او المعتقد.

ولهذا يجب على القوانين التي تقيد الحرية الدينية أن تكون متوازنة ومبررة بشكل جيد، ويجب أن تكون متناسبة مع الأهداف التي تسعى إليها. مع مراعاة تامة لحقوق الأفراد او الجماعات في ممارسة دياناتهم او معتقداتهم دون تمييز، وفي الوقت نفسه، يمكن للحكومات والسلطات التدخل لحماية المصلحة العامة وضمان السلم الاجتماعي كلما دعت الضرورة “الملحة” الى ذلك.

Blue and Red Creative Illustration International Emancipation Day Celebration Instagram Post (1)