كانت تونس مسيحية من القرن الثاني إلى القرن الحادي عشر وقد لعبت الكنيسة المحلية في تونس دورًا أساسيًا في التطور اللاهوتي والليتورجي والفني والأخلاقي للكنيسة “الكاثوليكية” بأكملها وكانت قرطاج واحدة من مراكز المسيحية المبكرة، وواحدة من مدن العالم القديم التي لعبت دوراً رئيسياً في الحضارة المسيحية المبكرة، وكانت أهم مركز للمسيحية في إفريقيا الرومانية في ذلك الوقت. وعلى الرغم من الاضطهادات التي عاشها المسيحيون التونسيون الاوائل، ومن ثم انتشار البدع التي كانت تهدد وحدة الكنيسة، ظلت قرطاج في قلب الحياة المسيحية والتقدم اللاهوتي والروحي للمسيحيين في أفريقيا والعالم آنذاك، ويعود الفضل في ذلك الى الشخصيات العظيمة التي اثرت في الكنيسة الكاثوليكية على غرار القديس ترتوليانوس والقديس أوغسطينوس مرورا بالقديس فولجينتيوس. 

_

كانت تونس مسيحية من القرن الثاني إلى القرن الحادي عشر وقد لعبت الكنيسة المحلية في تونس دورًا أساسيًا في التطور اللاهوتي والليتورجي والفني والأخلاقي للكنيسة “الكاثوليكية” بأكملها.

لقد كانت قرطاج المركز المسيحي الرئيسي بعد روما في الغرب، استقبلت هذه المنطقة المسيحية في وقت مبكر من القرن الأول، وبحلول العام 180 ميلادي كانت قد أنتجت بالفعل شهداء في سبيل الإيمان. تشير كتابات ترتليان، وهو قرطاجي، إلى أنه بحلول نهاية القرن الثاني، كانت كنيسة قرطاج بالفعل مجتمعًا بارزًا وقويًا. والتي صارت وقتذاك أهم مركز للكتابات المسيحية، المركز الأكثر قوة وازدهارا من روما. خلال القرن الثالث، أصبحت المسيحية حاضرة للغاية بين السكان الرومانيين في المدن، وتشير المجامع القرطاجية إلى أنه بحلول عام 250 كان هناك ما لا يقل عن مائة مجتمع، ولكل منها أسقفها الخاص. وهناك أيضًا، عاشت الكنيسة في ظل نظام من الاضطهاد والتعصب. وقد كانت الشخصية الأفريقية العظيمة في القرن الثالث هي الأسقف العظيم وشهيد قرطاج القديس قبريانوس. وفي القرنين الرابع والخامس، كان الدعوة الى الايمان مكثفة في المدن الرومانية في إفريقيا ووصلت المسيحية إلى ذروتها. ومنذ القرن الثاني الميلاديّ لعبت رئاسة أسقفية قرطاج دوراً هاماً في تشكيل الفقه والتشريع واللاهوت والفلسفة والقوانين الكنسية، وهكذا كانت رئاسة أسقفية قرطاج بالنسبة للكنيسة الأفريقية المبكرة مثل كنيسة روما بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية في إيطاليا. واستخدمت الأبرشية الطقوس الأفريقية، وهو نوع من الطقوس الليتورجية الغربية باللغة اللاتينية. وقد برزت هناك شخصيات لعبت دوراً هاماً في تشكيل ملامح المسيحية الغربية. 

_

خلال القرن الثالث، أصبحت المسيحية حاضرة للغاية بين السكان الرومانيين في المدن، وتشير المجامع القرطاجية إلى أنه بحلول عام 250 كان هناك ما لا يقل عن مائة مجتمع

_

شخصيات مسيحية تونسية

_
_

العلامة ترتليانوس

وُلد كوينتوس فلورنس ترتليانوس Quintus Septimius Florens Tertullianus في قرطاج نحو عام 155 م، وكان والداه وثنيين، وكان والده قائد مئة في جيش الحاكم، ودرس ترتليان TERTULLIAN القانون واشتهر في المحاماة في روما بعد قبوله الإيمان المسيحي عام 193م، استقر في قرطاج وسرعان ما وظف درايته الواسعة بالقوانية والأدب والفلسفة لخدمة الإيمان المسيحي، وقد سيم ترتليان كاهناً، وفيما بين عاميّ 195 و 220م وضع الكثير من مؤلفاته، وكان للعدد الضخم من الكتب التي ألفها في غضون هذه السنوات تأثيره الدائم على علم اللاهوت المسيحي.

فيما عدا القديس أغسطينوس، يُعتبر العلامة ترتليان أهم كاتب كنسي وضع أعماله باللغة اللاتينية، وإذ كان يتمتع بمعرفة عميقة بالفلسفة والقانون وباللغتين اليونانية واللاتينية، اتسمت أعمالة بالقوة والبلاغة الرائعة مع السخرية الحادة، وكان متشدداً تجاه الوثنيين واليهود والهراطقة، وليس هناك أي شك في أنه كان مستعداً تماماً لأن يموت لأجل إيمانه، وفي الكلمات الأخيرة من دفاعه يعبر عن رغبته العارمة في نوال إكليل الاستشهاد المبارك، فهو يرفض الهرب في زمان الاضطهاد وتُعد إسهامات ترتليان الأدبية للغة الكنسية الأولى ذات أهمية قصوى، إذ أنها تُعد مصدراً هاماً للمعرفة باللغة اللاتينية المسيحية، فهي تحتوى على عدد كبير من المصطلحات الجديدة التي استخدمها اللاهوتيون فيما بعد وصارت من الكلمات المستخدمة دوماً في شرح العقيدة، لذلك دُعي “مؤسس اللاتينية الكنسية The Creator of Ecclesiastical Latin”، وهذه التسمية توضح لنا مدى أهمية إسهامات ترتليان في تاريخ اللغة اللاتينية المسيحية وتأثيره القائم الى اليوم. 

_

يُعتبر العلامة ترتليان أهم كاتب كنسي وضع أعماله باللغة اللاتينية، وإذ كان يتمتع بمعرفة عميقة بالفلسفة والقانون وباللغتين اليونانية واللاتينية، اتسمت أعمالة بالقوة والبلاغة الرائعة مع السخرية الحادة.

_

القديس فولجينتيوس

القديس فولجينتيوس دي روسبي (Fulgence de Ruspe)‏ ولد في تلابت (تقع اليوم بمدينة فريانة من ولاية القصرين التونسية)، في 846م وتوفي 533 في عائلة من عائلة سناتورة، من أب وثني وأم مسيحية اسمها ماريانا. قادته قراءة القديس أوغسطينوس إلى الايمان وقراره اعتناق الحياة الرهبانية حوالي عام 493 وقد وصفه بوسويه بأنه “أعظم لاهوتي وأقدس أسقف في عصره”، معروفة لنا بشكل رئيسي من خلال فيراند، شماس قرطاج، الذي كان راهبًا معه، وربما سكرتيره. وبعدما ذهب لروما لزيارة الأماكن المقدسة عام 500م، عاد الى تونس وتم رسامته أسقفًا على روسبي Ruspe البيزنطية الواقعة في شمال أفريقيا (تونس اليوم) بين القرنين الخامس والسادس ميلادي، إلا أنه سرعان ما تم نفيه الى سردينيا مع ما يقرب من ستين أسقفًا آخرين بعد وقوفهم ضد الأريوسية.

وبعد وفاة الملك الأريوسي ترازاموند Thrasamund عام 523، عاد إلى منصبه كأسقف لمدينة روسبي، وبدأ في محاولاته لتحويل الشعب للكاثوليكية، إلا أنه بعد بضعة سنوات فضل البقاء، ولكن تمت دعوته مرة ثانية فعاد إلى منصبه حتى وفاته. وتعتبر حياة القديس فولجينتيوس ذات قيمة بالنسبة للمؤرخين باعتبارها سجلًا لهجرات النخب الاجتماعية إلى إيطاليا وصقلية وسردينيا بسبب تقلبات حكام المملكة الوندالية في شمال أفريقيا الذين حكموا تونس بين عامي 429 و533 م متخذين من قرطاج عاصمة لهم.

القديس فولجينتيوس دي روسبي (Fulgence de Ruspe)‏ ولد في تلابت (تقع اليوم بمدينة فريانة من ولاية القصرين التونسية)، في 846م وتوفي 533 في عائلة من عائلة سناتورة، من أب وثني وأم مسيحية اسمها ماريانا. 

بعد وفاة الملك الأريوسي ترازاموند Thrasamund عام 523، عاد إلى منصبه كأسقف لمدينة روسبي

كتب بشكل متكرر ضد الأريوسية والبيلاجية ولدى للقديس فولجينتيوس ميراث ادبي عظيم يتكون من 10 أطروحات عن لاهوت الثالوث، وعلم المسيحعصره”

بعد وفاة الملك الأريوسي ترازاموند Thrasamund عام 523، عاد إلى منصبه كأسقف لمدينة روسبي

 وكان القديس فولجينتيوس لاهوتيًا، يمتلك معرفة باللغة اليونانية واتفاقًا قويًا مع أوغسطينوس أسقف هيبو حيث كتب بشكل متكرر ضد الأريوسية والبيلاجية ولدى للقديس فولجينتيوس ميراث ادبي عظيم يتكون من 10 أطروحات عن لاهوت الثالوث، وعلم المسيح، وأسئلة تتعلق بالنعمة؛ ورسالة مكونة من 6 رسائل عقائدية حول نفس المواضيع، و7 رسائل أخلاقية ونسكية، ومجموعة من المواعظ والكتابات الصغيرة الأخرى. وقد تم اعتبارهُ قديسًا في الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية الشرقية ويوم قديسه هو 1 جانفي، يوم وفاته.

_

 “  القديس فولجينتيوس أعظم لاهوتي وأقدس أسقف في عصره”