الحرية الدينية في تونس
عرفت تونس محاولات عدة لضمان الحق في الحرية الدينية من خلال النصوص الدستورية والتشريعية حيث كان اول تلك المحاولات سنة 1857 ومن ثم سنة 1861 المعلن محمد الصادق باي قبل أن تسقطه انتفاضة “علي بن غذاهم” سنة 1864، ثم جاء الدستور الثالث الذي صاغه المجلس القومي التأسيسي عام 1959 ووضع أسس النظام الرئاسي، لكنه شهد عدداً من التنقيحات/التعديلات، والرابع دستور 2014 الذي أسس لنظام برلماني مزدوج قبل أن يتم تعليق العمل بجزء كبير منه بداية من الـ 25 جويلية 2021، ما أدى الى الغاء العمل به لاحقا، والخامس دستور 2022 وهو المعتمد اليوم.
الحرية الدينية في ظل الحكم الملكي
دستور المملكة التونسية لسنة 1857
كانت المحاولة الاولى التكريس الفعلي للحرية الدينية مع إعلان حقوق الراعي والرعية المعروف بعهد الأمان والمؤرّخ في 10 سبتمبر 1857. واشتمل هذا العهد على مقدمة وإحدى عشرة مادة.
اكد هذا العهد ضمان حقوق شبه متساوية لجميع سكان المملكة التونسية مهما كانت دياناتهم وأجناسهم وجنسياتهم، ونصت المادة الأولى منه على «تأكيد الأمان لسائر رعيتنا وسكان إيالتنا علي اختلاف الأديان والألسنة والألوان في أبدانهم المكرمة وأموالهم المحرمة وأعراضهم المحترمة إلا بحق يوجبه نظر المجلس بالمشورة ويرفعه إلينا ولنا النظر في الإمضاء أو التخفيف ما أمكن أو الإذن بإعادة النظر».
بينما نصّت القاعدة الثالثة منه على «أنّ التسوية بين المسلم وغيره من سكان الإيالة في استحقاق الإنصاف لأنّ اسـتحقاقه لـذلك بوصـف الإنسانية لا بغيره من الأوصاف والعدل في الأرض هو الميزان المستوي يؤخذ به للمحق من المبطل وللـضعيف من القوي».
وفي نفس السياق، نصّت المادة الرابعة من العهد على ما يلي:
«إنّ الذمي من رعيتنا لا يجبر على تبديل دينه ولا يمنع من إدراء ما يلزم ديانته ولا تمتهن مجامعهم ويكون لها الأمان من الإذاية والامتهان لأنّ ذمته تقتضي أنّ لهم ما لنا وعليهم ما علينا».
ويعتبر مثل هذا الإعلان الذي تولى صياغته أنداك الوزير أحمد بن أبي الضياف أمرا مهمّا ويشكّل تحولا كبيرا في بلاد إسلامية كانت تشكّل جزءا من الخلافة الإسلامية يقوم تشريعها حصريّا على المنظومة الفقهية الإسلامية التقليدية القائمة أساسا على القرآن والسنة. بعد ذلك،
دستور المملكة التونسية لسنة 1861
دستور الدولة (كان يسمى أيضا بقانون الدولة التونسية) صدر سنة 1861، ويعدّ أوّل دستور عربي حديث ساهم في تكريس العديد من المبادئ السياسية الهامّة. كما مثل هذا الدستور منطلقا، بعد انتصاب الحماية الفرنسية في تونس، ومرجعا فكريا للنضال والكفاح.
نص هذا الدستور في فصله الثالث على أنّ «سائر أهل المملكة على اختلاف الأديان بين يدي الحكم سواء لا فضل لأحد على آخر بوجه من الوجوه. يجري حكم هذا القانون علي أعلي الناس مع أدناهم من غير نظر لمقام ولا لرياسة وقت الحكم».
الحرية الدينية بعد الاستقلال
دستور الجمهورية الاولى لسنة 1959
صدر دستور الجمهورية التونسية بتاريخ أول جوان 1959. وكان هذا الدستور نتيجة لأعمال المجلس القومي التأسيسي بين سنتي 1956 و1959. وبعد حصول تونس على استقلالها التام بتاريخ 20 مارس 1956 والغاء الملكية وإعلان الجمهورية بتاريخ 25 جويلية 1957 ومن ثم تتالت تنقيحات الدستورية وآخرها كان بمقتضى القانون الدستوري عدد 51 لسنة 2002 المؤرخ في أول جوان 2002 الذي أدخل مراجعة شاملة لدستور الجمهورية التونسية لأغلب فصوله.
وقد تضمن الفصل الخامس (5) من باب الاحكام العامة في نسخته الاصلية مايلي:
الدولة التونسية تضمن حرمة الفرد وحريّة المعتقد وتحمي حرية القيام بالشعائر ما لم تخلّ بالأمن العام
وعلى اثر التنقيح الدستوري المؤرخ في 1 جوان 2002. تمّت إضافة الفقرات الثلاثة الأولى كالاتي:
تضمن الجهورية التونسية الحريات الأساسية وحقوق الانسان في كونيتها وشموليتها وتكاملها وترابطها”.
تقوم الجمهورية التونسية على مبادئ دولة القانون والتعددية وتعمل من اجل كرامة الانسان وتنمية شخصيته.
تعمل الدولة والمجتمع على ترسيخ قيم التضامن والتآزر والتسامح بين الأفراد والفئات والأجيال.
دستور الجمهورية الثانية لسنة 2014
بعد اندلاع الثورة في 17 ديسمبر 2010 ونجاحها في 14 جانفي 2011 في اسقاط نظام بن علي، تم انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 لصياغة دستور جديد. وقد شهدت عملية صياغة هذا الدستور، بروز نقاط خلاف الرئيسية “دور الدين في الدولة والمجتمع، ومتطلبات الترشح للرئاسة”، وبعد عامين تم اصدار الدستور في 27 جانفي 2014.
نص الفصل السادس (6) من باب المبادئ العامة:
الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي. تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها.
دستور الجمهورية الثالثة لسنة 2022
بعد شهور من التجاذبات بين رئيس الجمهورية قيس سعيد وأعضاء مجلس نواب الشعب، مع مطالبة آلاف المتظاهرين بحل مجلس نواب الشعب وتغيير النظام وتفاقم الأزمة الصحية المرتبطة بجائحة فيروس كورونا في تونس، قرر الرئيس قيس سعيد في 25 جويلية 2011 اقالة رئيس الحكومة، وتجميد نشاط مجلس نواب الشعب استناداً إلى الفصل 80 من الدستور 2014 مما مهد الطريق بعد ذلك لإلغاء العمل بدستور 2014، واعتماد دستور الجمهورية الثالثة في 25 جويلية 2022 بعد الاستفتاء الدستوري، ليشكل بذلك خامس دستور في التاريخ الحديث لتونس.
نص الفصلين السّابع والعشرون والثّامن والعشرون (27-28) من باب الحقوق والحريات:
تضمن الدولة حريّة المعتقد وحريّة الضّمير.
تحمي الدولة حريّة القيام بالشّعائر الدينية ما لم تخلّ بالأمن العام.